responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 100
قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَتَاهُمْ نَبَأُ هَؤُلَاءِ تَارَةً، بِأَنْ سَمِعُوا هَذِهِ الْأَخْبَارَ مِنَ الْخَلْقِ، وَتَارَةً لِأَجْلِ أَنَّ/ بِلَادَ هَذِهِ الطَّوَائِفِ، وَهِيَ بِلَادُ الشَّامِ، قَرِيبَةٌ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ، وَقَدْ بَقِيَتْ آثَارُهُمْ مُشَاهَدَةً، وَقَوْلُهُ: أَلَمْ يَأْتِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِي صِفَةِ الِاسْتِفْهَامِ إِلَّا أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ التَّقْرِيرُ، أَيْ أَتَاهُمْ نَبَأُ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامِ.
ثُمَّ قَالَ: أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى كُلِّ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ.
ثُمَّ قَالَ: بِالْبَيِّناتِ أَيْ بِالْمُعْجِزَاتِ وَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارٍ فِي الْكَلَامِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَكَذَّبُوا فَعَجَّلَ اللَّهُ هَلَاكَهُمْ.
ثُمَّ قَالَ: فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ والمعنى: أن العذاب الذي أو صله اللَّهُ إِلَيْهِمْ مَا كَانَ ظُلْمًا مِنَ اللَّهِ لِأَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوهُ بِسَبَبِ أَفْعَالِهِمُ الْقَبِيحَةِ وَمُبَالَغَتِهِمْ فِي تَكْذِيبِ أَنْبِيَائِهِمْ، بَلْ كَانُوا ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِعْلُ الظُّلْمِ وَإِلَّا لَمَا حَسُنَ التَّمَدُّحُ بِهِ، وَذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ الْبَتَّةَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْلُقُ الْكُفْرَ فِي الْكَافِرِ ثُمَّ يُعَذِّبُهُ عَلَيْهِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ فَاعِلَ الظُّلْمِ هُوَ الْعَبْدُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ وَهَذَا الْكَلَامُ قَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ فِي هذا الكتاب مرارا خارجة عن الإحصاء.

[سورة التوبة (9) : آية 71]
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَالَغَ فِي وَصْفِ الْمُنَافِقِينَ بِالْأَعْمَالِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَفْعَالِ الْخَبِيثَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَقِيبَهُ أَنْوَاعَ الْوَعِيدِ فِي حَقِّهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ذَكَرَ بَعْدَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَوْنَ الْمُؤْمِنِينَ مَوْصُوفِينَ بِصِفَاتِ الْخَيْرِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ، عَلَى ضِدِّ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْوَاعَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ الدَّائِمِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَأَمَّا صِفَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فَهِيَ قَوْلُهُ: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَائِدَةُ فِي أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي صِفَةِ المنافقين الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وهاهنا قَالَ فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ فَلِمَ ذَكَرَ فِي الْمُنَافِقِينَ لَفْظَ (مِنْ) وَفِي الْمُؤْمِنِينَ لَفْظَ أَوْلِياءُ.
قُلْنَا: قَوْلُهُ فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِفَاقَ الْأَتْبَاعِ، كَالْأَمْرِ الْمُتَفَرِّعِ عَلَى نِفَاقِ الْأَسْلَافِ، وَالْأَمْرُ فِي نَفْسِهِ كَذَلِكَ، لِأَنَّ نِفَاقَ الْأَتْبَاعِ وَكُفْرَهُمْ حَصَلَ بِسَبَبِ التَّقْلِيدِ لِأُولَئِكَ الْأَكَابِرِ، وَبِسَبَبِ مُقْتَضَى الْهَوَى وَالطَّبِيعَةِ وَالْعَادَةِ، أَمَّا الْمُوَافَقَةُ الْحَاصِلَةُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّمَا حَصَلَتْ لَا بِسَبَبِ الْمَيْلِ وَالْعَادَةِ، بَلْ بِسَبَبِ الْمُشَارَكَةِ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْهِدَايَةِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ: بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَقَالَ فِي الْمُؤْمِنِينَ: بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوِلَايَةَ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي لَفْظِ الْوِلَايَةِ الْقُرْبُ، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ بِأَنَّ ضِدَّ الْوِلَايَةِ هُوَ الْعَدَاوَةُ، وَلَفْظَةُ الْعَدَاوَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عَدَا الشَّيْءَ إِذَا جَاوَزَ عَنْهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ بِكَوْنِ بَعْضِهِمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ، ذَكَرَ بَعْدَهُ مَا يَجْرِي مَجْرَى التَّفْسِيرِ وَالشَّرْحِ لَهُ فَقَالَ: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَذَكَرَ هَذِهِ الْأُمُورَ الْخَمْسَةَ الَّتِي بِهَا يَتَمَيَّزُ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْمُنَافِقِ، فَالْمُنَافِقُ عَلَى مَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ المتقدمة

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 100
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست